شبح في البحرين اسمه «تمرّد»!
2013-08-14 - 12:14 ص
مرآة البحرين (خاص): البحرين غارقة عمليّا في المشاكل. في 4 يوليو/ تموز الماضي أعلن معارضون عن نيتهم استنساخ حركة تمرد المصرية التي أطاحت بحكم الإخوان 30 يونيو/ حزيران الماضي كوسيلة للضغط على الحكومة. وأطلقت جماعة تدعى «تمرد البحرين» برنامجاً للعصيان المدني في 14 أغسطس/ آب الذي يصادف يوم استقلال البحرين عن الانتداب البريطاني. ومنذ ذلك الحين تتصاعد الأحداث بشكل دراماتيكي.
إذ تنفذ السلطات في المنامة حملة أمنية واسعة النطاق. في الوقت الذي رسم ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة صورة كالحة لحكم عائلته، قائلاً «إن مستقبلنا الآن مهدد». وأوضح في تسجيل صوتي مسرّب في 30 يوليو/ تموز الماضي خلال إحدى الجلسات «هناك من ينادي بالتمرد بينما نسعى إلى تهدئة الأمور عبر الانخراط في حوار مع المعارضة».
لكن إلى أي حد يمكن أن تتكلل بالنجاح حملة للتمرّد في البحرين؟
من الأطراف إلى المنامة
لم تهدأ البحرين منذ العام 2011، إذ تشهد احتجاجات يومية عادة ما تنتهي إلى صدامات مع الشرطة. فيما تتحوّل إمكانات التسوية شيئاً فشيئاً إلى عقدة مستعصية.
في 2011 عبرت القوات السعودية إلى البحرين لمساعدة الحكومة في فضّ اعتصام دام شهراً وسط العاصمة المنامة. لكن ما فعلته إضافة إلى السياسات الأمنية المطبقة منذ عامين ونصف ليس القضاء على الاحتجاجات، إنما نقل مسرحها من العاصمة إلى الأطراف التي لاتحظى بتغطية إعلامية كافية.
خلال شهر يوليو/ تموز الماضي فقط، قالت جمعية «الوفاق»، أكبر الجمعيات المعارضة، في تقرير إنها رصدت خروج 774 تظاهرة. لكنّ ما تريده حملة «تمرد» هو شلّ الحياة العامة وفرض العصيان المدني الشامل، وربما العودة إلى التمركز في المنامة مرة أخرى.
وقالت في مؤتمر صحافي 7 أغسطس/ آب «ستشهد صبيحة 14 أغسطس/ آب بدء العصيان المدني السلمي والتصاعدي».
وفي سياق التعبئة لهذا اليوم، دعا ائتلاف شباب 14 فبراير/ شباط، وهو تنظيم سرّي لكنه يستقطب شرائح واسعة من فئة الشباب إلى «جعل 14 أغسطس/ آب يوماً للعصيان المدني الذي يشل البلاد من أقصاها إلى أقصاها من دون استثناء العاصمة المنامة».
وفي حديث خاص صرّح العضو في حملة «تمرد البحرين» حسين يوسف «نطمح إلى إحداث هبة جماهيرية جديدة جارفة في بداية 14 أغسطس/ آب، إننا واثقون من أنَّ البلاد ستدخل في مسار احتجاجي مختلف».
ولم تتأخر الجمعيات المعارضة (الوفاق، وعد، التجمع القومي، الوحدوي، الإخاء) التي تعمل طبقاً لترخيص مقننّ من السلطات وتنخرط في حوار مع الحكم منذ فبراير/ شباط الماضي، عن اللحاق بالرّكب، لكن على حذر.
وصرح أمين عام جمعية «الوفاق» الشيخ علي سلمان عن دعمه إلى التمرّد، داعيا «المجتمع الدولي إلى حماية المتظاهرين». لكنها سرعان ما عادت وعدّلت نبرتها. وقد أعلنت أمس الثلثاء عن إلغاء مهرجان خطابي كانت قد قررت إقامته في ذكرى استقلال البحرين.
يشبه هذا الأمر الأجواء عند انطلاق أولى الدعوات للتظاهر في 14 فبراير/ شباط 2011 بعد نجاح الثورة المصرية. فقد قاد الشباب والشبكات الاجتماعية عمليّة التعبئة إلى هذا اليوم. وسرعان ما التحقت بها جمعيات المعارضة المرخصة التي لا ترى مانعاً من التعاطي مع الحكم بغرض التوصل إلى تسوية، لكن فقط بعد أن تدحرجت الأمور واتخذت شكل احتجاجات عارمة. وهو السيناريو نفسه الذي يكاد يتكرر مع الدعوات الأخيرة إلى «التمرّد».
هلع في الحكومة
لقد أسفرت الحملة الأمنية التي طبقتها السلطات منذ العام 2011 وما تزال متواصلة، عن «تفكيك» جزئي إلى المجال الحيويّ لعمل المعارضين. وطوّرت بمرور الوقت نشاطاً استخبارياً أطاح بكثير من المحرّكين الميدانيين وأخضعتهم إلى محاكمات نالوا فيها أحكاماً قاسية.
وطبقاً لإحصائيّات جمعية «الوفاق»، فإن تعداد المعتقلين منذ اندلاع الأحداث إلى الآن «فاق 5500 معتقلا ومعتقلة، بينهم 1800 ما يزالون يقبعون في السجون». فيما اعترفت السلطات بوفاة 92 شخصاً كنتيجة للأحداث. وهو رقم كبير في بلد متناهي الصغر لا يجاوز تعداد سكانه النصف مليون.
إذا كان هناك شيء يمكن أن يلقي بظلاله على مسار الأحداث في 14 أغسطس/ آب ويسهم بالتأثير على حظوظها فهو هذا؛ فضلاً عن الانقسام العمودي المتفاقم بين السنة والشيعة. لقد استطاعت الإجراءات الأمنية التي اعتمدتها السلطات طيلة عامين ونصف، والتي تمثلت في الزج بالعسكر في الحياة السياسية، والضربات المتلاحقة للنشطاء، ومواصلة تغذية المخاوف لدى السنة بأنهم المتضرّر من أي عملية تغيير تخلّ بميزان القوى القائم، رسم سقف متوقع للعبة. وقلّصت من قدرة المعارضين على تطوير عملية ثوريّة شاملة.
رغم ذلك، فإن السلطات تتعامل بصرامة فائقة مع دعوات «التمرّد» وقامت بإطلاق حملة أمنية استباقية. وبيّنت إجراءاتها عن حالة من الهلع غير مسبوقة. وصرحت الناطقة باسم الحكومة سميرة رجب 14 يوليو/ تموز بأن «تمرّد خارجة عن القانون وستتم مواجهتها».
وتشن قوات الأمن بشكل يومي حملة اعتقالات واسعة. ولاحظ مركز البحرين لحقوق الإنسان تزايد اعتمادها على رصاص الخرطوش الانشطاري المعروف محلياً بـ«الشوزن» لدى التصدي للاحتجاجات خلال شهر يوليو/ تموز، مشيراً إلى «140 إصابة بالرصاص الانشطاري». وتحدثت جمعية «الوفاق» في مؤتمر 5 أغسطس/ آب الجاري عن «مداهمة 648 منزلاً خلال الشهر نفسه أسفر عنها اعتقال 208 شخصاً بينهم امرأة و19 طفلاً». فيما تحدث المرصد البحريني لحقوق الإنسان عن الاعتداء بطلقات نارية على 5 من الأماكن الدينيّة المملوكة للطائفة الشيعية.
ويعترف الناطق باسم «تمرّد» بتأثيرات الحملة الأمنية القائمة، لكنه يقول «الفارق أننا نعمل وفق استيراتيجية شعبية»، في إشارة إلى أن العمل الشعبي يمتلك ديناميات تجعله أقلّ تأثراً بالإجراءات الأمنية مما لو كان الأمر يعتمد على العمل الحزبي.
أمر ملكيّ لأول مرة
وفي تطوّر لافت لتصاعد الأحداث، فقد دعا الملك حمد بن عيسى آل خليفة في 26 يوليو/ تموز المؤسسة التشريعية التي يغلب عليها التوجه الحكومي، لمواكبة ذلك.
واستخدم لأول مرة منذ إعادة العمل بالحياة النيابية، صلاحياته في الدعوة لعقد جلسة استثنائية للمجلس الوطني بغرفتيه المنتخبة والمعيّنة «لبحث ما وصل إليه الوضع الوطني من مستوى خطير».
وبعد 5 ساعات من المداولات التي شارك فيها 12 وزيراً في الحكومة بينهم وزيرا الداخلية والعدل ونائبان لرئيس الوزراء، أقر المجلس الوطني في 28 يوليو/ تموز 22 توصية فوّضت الملك «حظر المسيرات في العاصمة المنامة» و«إسقاط الجنسية البحرينية عن كل مرتكبي الجرائم والمحرضين» و«اتخاذ تدابير لفرض الأمن، وإن تطلب الأمر فرض حالة السلامة الوطنية (الطواريء)».
وخلال الجلسة التي شهدت مداخلات لثلاثة وزراء تكرّر التحذير من تمرد 14 أغسطس/ آب أكثر من مرّة. وطالب رئيس لجنة شئون الدفاع والأمن الوطني عبدالرحمن بومجيد الحكومة بـ«إعلان حالة السلامة الوطنية (الطواريء) لمواجهة يوم 14 أغسطس/ آب».
وعلق وزير الداخلية راشد بن عبدالله آل خليفة بأن «الأجهزة المعنية سوف تتخذ الإجراءات المطلوبة من أجل حفظ الأمن في هذا اليوم». وفي ظرف ساعات، أقرّ الملك كافّة التوصيات الأمنية وأحالها إلى الحكومة التي أمرت بالشروع الفوري في تنفيذها . وصرح رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة 1 أغسطس/ آب الجاري بأن «أي وزير لا يستطيع تحقيق توصيات المجلس الوطني سنقول له شكراً» في إشارة إلى إخراجه من التركيبة الحكومية.
وسط ذلك، يواصل القائمون على حملة «تمرد البحرين» بث إعلاناتهم التحفيزية استعداداً ليوم 14 أغسطس/ آب. وقد أطلقوا اليوم برنامجاً شاملاً لما أسموه «النفير المدني السلمي العام» يبدأ في الساعة الثالثة من ظهر اليوم الأربعاء. فيما أطلق ائتلاف شباب 14 فبراير/ شباط برنامجاً هو الآخر يبدأ من الساعة 6 صباحاً، في الوقت المفترض خروج الناس إلى أعمالهم.
إن كانت الأزمة قد برهنت أمراً ما، فهو أنّ الحلول الأمنيّة قادرة على إحباط دعوات من هذا النوع أو منعها من التفاقم إلى احتجاجات شاملة تعيد سيناريو 14 فبراير/ شباط 2011. لكن أيّامها في الغالب، لا تكون أياماً عادية!
- 2024-11-25هل تُقفل السلطة ملفات الأزمة في ديسمبر 2024؟
- 2024-11-13صلاة الجمعة.. لا بيع أو شراء في الشعيرة المقدّسة
- 2024-11-13ملك المستعمرة أم ملك البحرين: كيف تتعامل المملكة المتحدة مع مستعمرتها القديمة؟ ولماذا لم تعد تثير أسئلة حقوق الإنسان على فارس صليبها الأعظم؟
- 2024-11-05الجولة الخائبة
- 2024-11-03هكذا نفخت السلطة في نار "الحرب" على غزة كتاب أمريكي جديد يكشف دور زعماء 5 دول عربية منها البحرين في تأييد عمليات الإبادة