التعليق السياسي: في المسافة الباهظة الثمن، بين متحف الثورة والمتحف العسكري
2013-10-30 - 10:26 م
مرآة البحرين ( خاص): ما الفرق بين «متحف الثورة» الذي افتتحه الشيخ علي سلمان في مقر جمعية الوفاق في 26 أكتوبر 2013، و«المتحف العسكري» التابع لقوة دفاع البحرين الذي افتتحه الملك حمد في 5 فبراير 2013؟
الفرق أن الأول هو متحف يستعرض معاناة الشعب المطحون على يد القبيلة، والثاني يستعرض معدات قوة القبيلة التي تضع يدها على رقبة الشعب. الأول يوثق الجرائم التي تمارسها القبيلة ضد الشعب، والانتهاكات الجسيمة التي تستخدمها في التعامل مع الشعب وفي قمع مطالباته المريرةص بالتحول الديمقراطي إلى الدولة، والثاني يوثق "الوحدات والأسلحة" التي تفرض بها القبيلة وجودها وبداوتها على هذا الشعب المدني المتحضر.
المتحف الأول يعرّي وجه القبيلة الطائفية والمستبدة، ويكشف بشاعة تعاطيها اللا إنساني معه على مر التاريخ بدءاً من غزوها وتعاملها معه على نحو (الفتح) الذي يستخدم لغير المسلم، مروراً بنهبها لأراضيه وأملاكه واعتبارها غنائم حرب، ثم باستخدام الشعب سخرة للقبيلة واتباعها وأعوانها، وانتهاء بحرمان هذا الشعب من أية مشاركة حقيقية في الحكم حتى مع تغيير ظاهر وجهها القبلي، واستبداله بوجه آخر مدني. أما المتحف الثاني فهو يتفاخر بمعدات القوة التي تمتلكها القبيلة والملابس العسكرية والأوسمة والخيول العربية الأصيلة التي تمتلكها كما تعتقد أنها تمتلك هذه الأرض وهذا الشعب البحريني الأصيل.
عند افتتاحه «للمتحف العسكري»، فإن الملك الذي هو القائد العام لقوة الدفاع، هنأ قواته العسكرية "إنه لمن دواعي سرورنا أن نسجل في هذا المكان أطيب التحية لجميع منتسبي قوة دفاع البحرين"، وأبدى "سروره وإعجابه بما شاهده في هذا المتحف الذي يوثق مراحل هامة من تاريخ البحرين العسكري والمسيرة المباركة لقوة الدفاع منذ تأسيسها والانجازات التي حققتها على المستويات كافة". ورغم أن قوات قوة دفاع البحرين لم يكن لها من إنجاز سوى فرض حصارها على دوار اللؤلؤة والانتشار في جميع مناطق البلاد وفي المستشفيات العامة والوقوف في وجه الشعب يوم خرج مطالباً باصلاحات ديمقراطية، وإطلاق النار على صدر الشهيد عبد الرضا وهو يهتف أمامها بصدره العاري سلمية سلمية، إلا أن الملك مدين لها بحماية حكم القبيلة الذي كان مهدداً بقوة ثورة الشعب. لهذا يشيد الملك بـ"الصرح العسكري التاريخي المتميز بمحتوياته ومعناه، من خلال حفظه للتراث العسكري الوطني الذي يثير في النفوس الفخر ويشحذ أذهاننا بأحداث تاريخية تجعلنا نعتز دائماً بأمجاد عسكرية انبرى لها رجال أفذاذ أخلصوا البذل والعطاء".
أما عند افتتاحه «لمتحف الثورة»، فقد جدّد أمين عام جمعية الوفاق تأكيده على أن الثورة مستمرة حتى الوصول إلى وطن دون تمييز "الثورة مستمرة حتى وصولها إلى إحقاق وطن إنساني يحتضن جميع البحرينيين بدون استثناء، وبدون إقصاء، وبدون تمييز"، وشدد على أن "المبررات الأولى للثورة هي تهميش الشعب عن اتخاذ القرار الاستئثار بثروة الوطن مستمرة أضافت إليها هذه الانتهاكات التي يسجل هذا المعرض جزء منها مبررات وضرورات للاستمرار وتوضيح للأسباب الكامنة خلف هذه الثورة".
هي لعبة التاريخ والذاكرة إذاً، أراد الديكتاتوري من خلال متحفه العسكري أن يقيم تاريخاً مزيفاً في تاريخ هذا الوطن البحرين. سخر كل آليات التزييف ليخلّد تاريخ قبيلته الغازية باعتباره تاريخاً لهذا الوطن. أراد أن يقوم بعملية إحلال يجعل فيها تاريخه القبلي الدموي الذي أذاق سكان هذه الجزيرة الويلات، تاريخاً وطنياً يفاخر به على انتصاراته على سكان هذه الجزيرة.
الرد جاء في متحف الثورة. حين قرر أن يسرد تاريخاً مغيباً، تاريخاً مزعجاً للسلطة، أن يستحضر سردية تفضح السردية التي يريد المتحف العسكري (متحف القبيلة) أن يقيمها. أراد هذا المتحف (متحف الشعب) أن يكون مضاداً لذلك المتحف. لذلك استشاط الدكتاتور غاضباً لأن هناك من يزعج مرويته وسرديته وتزييفه ويريه الوجه القبيح من هذا التاريخ الدموي الذي ظل يشتغل ويعمل إلى هذا اليوم.
وبهذا العمل قد فضح الديكتاتور نفسه مباشرة، فقد وصلته الرسالة، ولهذا قرر اغتيال هذا المتحف كما قرر قبلها اغتيال دوار اللؤلؤة الذي التف حوله الناس ليقولوا رفضهم لاستبداد القبيلة ودمويتها. لن يفهم الديكتاتور أن المتحف الذي ذهب لاغتياله اليوم سيبقى في التاريخ كما بقي دوار اللؤلؤة الذي غادر الجغرافيا وبقى في التاريخ والذاكرة والقلوب.
سيبقى «متحف الثورة» هو متحف لسلمية هذا الشعب ومدنيته ومطالباته، وسيبقى المتحف الآخر هو متحف لدموية هذه العائلة وقبليتها. فرق شاسع بين المتحفين، بين متحف يقول للآخرين إني استعبدكم وإني أخضعكم واني قد استوليت عليكم بالقوة، وبين متحف يقول أن الثورة ضد الظلم مستمرة منذ جاء هذا الظالم إلى هذه الأرض وأن الشعب متمسك بسلميته حتى يحقق النصر.