» رأي
أقولها جادا لا مازحا: أتعاطفُ مع عاهل البلاد
نادر المتروك - 2011-07-16 - 11:19 ص
نواب الموالاة يتوشحون العلم السعودي داخل البرلمان البحريني
نادر المتروك*
قلتُ في "تويتر"، إنني أتعاطف مع عاهل البلاد. والحقُّ، أنني أقولها جادا لا هازلا. لن أدخل في مجادلة - فيها فائدة ولاشك - حول نظريتيْ الأجنحة والفريق الواحد، ولكن المهم عندي في هذه اللحظة هو الاقتراب كثيرا من المشهد غير المسبوق الذي يعانيه العاهل على أيدي مواليه المفترضين، المختطَفين، ليس فقط منذ اعتلاء المشير الرّكن سدّة "الحكم العسكري"، واشتداد قوّة المتطرّفين وتوسّعهم؛ ولكن على الأقل منذ أن صعّد تجمع الدكتور عبد اللطيف المحمود من خطابه المناكِف لرغبات العاهل، سواء في الوضع الداخلي وإنهاء الأوضاع المأزومة من خلال ديمقراطية معتبرة، أم بإصرار المحمود وبطانته على مخالفة سياسة العاهل الخارجية تجاه العواصم الكبرى: الرياض، طهران، وواشنطن.
وللتوضيح فقط؛ بيان تجمّع المحمود حول حصرية التصريح الرسمي لم ينفِ أو يتبرّأ أو يتنصّل صراحةً ممّا قاله مستشاره ومستشار أمين عام مجلس التعاون الخليجي، عادل عبدالله (وعلينا، لنفهم الموضوع برمّته، ألا نغفل عن هذا العمل الاستشاري المزدوج). كلّ ما أراد قوله البيان هو أنّ ما يذكره المحمود هو التعبير الرسمي عن التجمّع، وللأعضاء حرية الرأي. وللتوضيح أيضاً؛ ليس مطلوبا أن يُقمع المستشار، أو غير المستشار، ويُمنع من الكلام، أي كلام، كلّ ما هنالك أنّ التجمّع ومستشاره يقدّمون لنا شواهد إضافية على أنّ عاهل البلاد خارج حساباتهم السياسية، وأنّ القدسية التي يحيطونها بالمرجعية السعودية، خاصةً، هي أكثر احتراما وقدسيةً من مرجعية عاهل البلاد. وأكثر من ذلك، فإنّ مصالح السعودية وديمومة سلطتها (عبر "مزحة" الكونفدرالية و"سطوة" درع الجزيرة) هي أوْلى – في حسابات التجمّع - من مصلحة النمو الديمقراطي في البحرين. نقطة على السطر.
لا يُعقل أن يقبل العاهل باجتثاث "ما تبقّى" من حُكمه من خلال التدخّل السّعودي المتواصل. لقد قدّم العاهلُ تنازلاتٍ عديدة في هذا الاتجاه وبضغطٍ من أصحاب البزّات العسكرية المنتشين، ومن المؤكّد أنّ الاستسلام للكونفدرالية – التي يُهدِّد بها تجمّعُ المحمود مجددا – هو رضوخ أخير للأطماع السعودية في التوسّع الإقليمي وإحداث توازن السيطرة مع طهران. في المقابل، سيكون مفهوماً أن إيران لا محلّ تصعيديا ضدها في خطابات العاهل الأخيرة. لم تحضُر إلا في إطار الملامسة الدبلوماسية والنّقد الضمني والرغبة في استعادة وِثاق الإخوّة.
يعبّرُ ذلك عن ممانعة العاهل المريرة ضد الدّخول في "خارطة الأعداء" التي أعدّها العسكر وتمّ الترويج لها بمعونة جمْع إقليمي معروف من الأمنيين وخبراء الفتنة الذين استعان بهم فرقاء في لبنان لإحداث التمزيق الطائفي. بخلاف الظّهور غير العدائي، لا يكفّ المحيط الحيوي للتجمّع من شنّ أقسى الملاعنات مع إيران، وتنشيط قاموس السّب المذهبي تجاهها. أما موقع الولايات المتحدة في العلاقة المتناقضة بين العاهل والموالين المخطوفين؛ فيُشبه "برقوق نسيان"، قصّة غسان كنفاني. ينقلُ لنا الأخيرُ الحزنَ والفرح، الجدّية القاتلة وسخرية الأقدار. قوّة إسرائيلية تداهم منزل مناضلة لا تجدها في بيتها وتقوم باحتجاز منْ يفدون إلى بيتها للزيارة وإرسال الهدايا. الدّمُ والشّك المتبادل يُصبح جاثما على الجميع، فتشتغلُ التوهمات والارتجاعات الذهنية. مثل ذلك ما يحيط الولايات المتحدة من مواقف متناقضة ومتحوّلة.
يقول كنفاني: "عندما جاء نيسان، أخذت الأرض تتضرّجُ بزهر البرقوق الأحمر، وكأنها بدن رجل شاسع، مُثقَّب بالرّصاص". في أبريل الفائت، كانت البحرين تدخلُ – بعنوةٍ من الجار السّعودي – في مشاريع الفوضى ومن خلال ترسيمة شديدة المروق: الأيديولوجيا سلفيّة بلا أصول، والأساليبُ مستوحاة من الأنظمة الفاشية، والغطاءُ مزيج من الهرطقة الإعلاميّة والسّعار المذهبي والقبلي.
أوضحُ ما قرأتُ مؤخرا ممّا يعبّر عن ذلك هو افتتاحية رئيس تحرير صحيفة "النبأ" البحرينيّة (عدد 13 يوليو 2011م)، التي أضحت ناطقة باسم هذا الخيار. تبدأ الرسالةُ إلى العاهل ابتداءً من عنوان الافتتاحية: "رئاسة الوزراء.. خطّ أحمر". لا ينبغي الاكتفاء بالعنوان، فالمضامين التفصيلية تكشف طبيعة الإمداد "الإستراتيجي" الواهم الذي يُغذّي منْ أسماهم المقال الافتتاحي ب"جموع أهل الفاتح الذين أنقذوا البحرين قيادةً وشعباً من خلال وقفتهم التاريخية لصدّ الاعتداء على أمن البحرين". يُرجى التركيز على عبارة "قيادةً وشعبا" هنا، فالصدّ المقصود به هنا هو الوقوف ضد الاحتجاجات السلمية العارمة في دوار اللؤلؤة، والتي كادت تحقق الحدود الوسطى من الأهداف السياسية، أي التداول السلمي للسلطة، إلا أنّ الغرف الأمنيّة اخترعت "وقعة جمل" مطوّرة لإحداث الفوضى، وبالعنوان المذهبي، كما تبيّن مرارا من خطابات تجمّع المحمود وحاشديه.
يدعو المقال المذكور لتحشيد قوي ضد الولايات المتحدة، رأس الأفعى كما وصفها، والتجمّع عند سفارتها في البحرين، مُهدّداً بوجوب المطالبة بإغلاق القاعدة الأميركية واستبدالها بقوات درع الجزيرة التي كان لها، كما يضيف، الدور الواضح "في التصدي للاستهتار الأمريكي الغريب والتحركات الإيرانية المريبة التي صاحبت الأحداث الأخيرة". وينتهي المقال بحديث يُشبه تنبوءات نوستراداموس.
التعليق الموجز هو أنّ الخلاصُ الدّيمقراطي الحقيقي لم يعد مطلباً شعبيا غير قابل للتنازل فحسب، بل بات أيضا حلاً لحاكم قد ينفجر في أية لحظة بسبب روعنة مواليه الذين "لا يخجلون" من إعلان رفضهم لأبسط مظاهر الديمقراطية وهو تغيير رئيس الوزراء وانتخابه بإرادة شعبية، ولكنهم في المقابل مستعدون للخروج على "ولي الأمر" في سياسته الداخلية والخارجية، وتسيير مظاهرات فوضوية حرّمها المفتون والسياسيون السعوديون؛ المرجع الأعلى لتجمّع المحمود.
*كاتب بحريني
اقرأ أيضا
- 2024-11-23التعايش الكاذب وصلاة الجمعة المُغيّبة
- 2024-11-20دعوة في يوم الطفل العالمي للإفراج عن الأطفال الموقوفين لتأمين حقهم في التعليم
- 2024-11-18النادي الصهيوني مرحبا بالملك حمد عضوا
- 2024-11-17البحرين في مفترق الطرق سياسة السير خلف “الحمير” إلى المجهول
- 2024-11-13حول ندوة وتقرير سلام تعزيز الديمقراطية.. أمل قابل للتحقيق