» رأي
عن كسب الأرض..وتحويلها أرضية
عباس بوصفوان - 2012-06-25 - 11:00 ص
عباس بوصفوان*
استيراتيجيا يسعى الحكم إلى ضبط إيقاع الحركة الاحتجاجية واحتوائها. ويعتقد فريق من السلطة، خصوصا أولئك العسكريين المتنفذين، أن جزءاً كبيرا قد تحقق من ذلك، من خلال وضع خطوط حمراء على التجمع السلمي في دوار اللؤلؤة، صارت معه الكلفة عالية للوصول إلى مركز الاحتجاجات في فبراير ومارس من العام الماضي. وساهمت الجمعيات السياسية ـ بسبب قلقها من سقوط ضحايا ـ في إقناع الشارع بأن الوصول إلى دوار اللؤلوة ليس هدفا للانتفاضة.
الخط الأحمر الثاني الذي وضعته السلطة يتمثل في منع وصول التجمهرات السلمية للعاصمة المنامة، وتعتقد قوى في النظام أن هذا الهدف تحقق إلى حد بعيد، خصوصا مع اعتقال نبيل رجب قبل عدة أسابيع، بعيد تحديه إحدى المحرمات الحكومية، ومحاولة كسر الطوق عن العاصمة، قلب البلد، ومركز اقتصادها وسياستها.
بالمقابل، فتحت السلطة الباب للتجمعات المرخصة، التي تقيمها الجمعيات السياسية (الوفاق وشريكاتها الأربع)، لكنها ظلت طوال الوقت تستهدف التجمعات التي تتبانها الجماعات الشبابية، وائتلاف 14 فبراير، الغامضة قيادته.
التجمعات المرخصة مرت بعدد من الأطوار: فقد سمح في البداية لمختلف التجمعات أن تقام في الساحات، والمسيرات في الشواع، خصوصا تلك القريبة من شارع البديع، لكنها باتت محل استهداف اليوم.
في فبراير من العام الجاري (2012)، حيث الذكرى الأولى للاحتجاجات، بدت السلطة سخية وهي تسمح لتجمعات حاشدة في ساحة الحرية في منطقة المقشع. حينها تمكن الشارع من التعبير عن رأيه، وشعر بالزهو وعودة الروح، دون أن يفزع السلطة، كما كان يفعل حين تجمع في دوار اللؤلوة. (وأشهدكم القول بأني وجدت صعوبة من التحذير من تداعيات تجمع المقشع، بعد أن استطلعت رأي العشرات ورأيت حماسهم وأنفتهم).
والأهم، بعيد تجمع المقشع، أن التجمعات الشبابية بدت وحيدة، ومكسورة الجناح، وبلا دعم سياسي في دعوتها للذهاب إلى الدوار، وهي الدعوة التي فشلت في تحقيق أهدافها، رغم وصول بضعة شبان وشابات، للوقع الذي يحمل معاني الشهادة والحرية.
ودون شك، لم يكن اتفاقا مكتوبا بين الجمعيات السياسة والسلطة، بأن تكون ساحة الحرية بالمقشع بديلا عن الدوار، لكن ذلك صار أمراً واقعا.
الاتفاقات غير المكتوبة (أعني غير المتفق عليها لكنها باتت واقعا) شملت أيضا عدم التجمع في المناطق التي ترى السلطة حساسيتها، وعدم التجمع في المحرق، ومدينة حمد ومدينة عيسى حيث التواجد الموالي كبيرا. لكن مسلسل التجمهرات السلمية الحاشدة استمر في الشوارع الرئيسية: شارع البديع، شارع سلمابادـ عالي، لكن ليست الشوارع الرئيسية قرب المنامة وأطرافها، كما كان الحال حتى ما قبل 14 فبراير، حين كانت الجمعيات السياسية تنظم مسيرات في شارع السيف مثلا.
الخطوة التالية بالنسبة للسلطة هي أن تحد من التجمعات والمسيرات في الشوارع الرئيسية غير شارع البديع، ومع مرور الوقت فإن شارع البديع سيكون تحت المجهر.
لقد حققت التجمعات السلمية المرخصة نتائج غاية في الحيوية للمعارضة. لكنها أعطت النظام مدخلا للتحكم في التظاهرات. وتعتقد أجهزة الأمن أن الوقت بات مناسبا للمضي في تضييقات أوسع، مادامت القوى السياسية تخضع للضغوط، وقلقة من سقوط الضحايا، خصوصا من إصابة المئات من المواطنين برصاص الشوزن ومسيلات الدموع، والذين بات العديد منهم بعاهة مستديمة.. وتأمل السلطة أن يأتي موعد انتخابات 2014، وربما قبل ذلك، والمتظاهرات محصورة في الأزقة.
هل هذا ممكن؟ كما قاربنا الهدف النهائي للسلطة: وهو احتواء التظاهرات وحشرها في الزوايا الضيقة، فإن الهدف الاستيراتيجي للجماعات السياسية هو إبقاء شعلة التظاهرات كتعبير عن الرفض للأمر الواقع، واستمرار المطالبة بالديمقراطية.
رغم أن السلطة سجلت انتصارا على الأرض، وتمكنت من (الاستيلاء) على العديد من الساحات والشوارع الرئيسية، وهو أمر يتوجب أن يلفت نظر المعارضة، فإن احتمالات تحويل هذا المعطى إلى نصر سياسي مازال بعيد المنال، لأن التظاهرات ستستمر، بما في ذلك التظاهرات التي ستتبناها الجمعيات السياسة، التي مهما بدت حذرة ومحافظة وتحاول العودة إلى مسار تفاوضي له متطلباته، فإن وراءها جمهورا يدفعها نحو مواصلة الانخراط في العمل الميداني.
فلما كانت هذه الجمعيات في المقدمة، فإنها بالضرورة ستكون متأثرة بمن يمشي خلفها، إن قبل بالوضع وظل يمشي خلف الجمعيات دون أن يدفعها إلى الأمام، أم أنه يمضي وراءها ويده تدفع ظهورها إلى الأمام، وهو الأمر الذي رأيناه بوضوح في تظاهرة الجمعة 22 يونيو الجاري، حين جاء الاستهداف للقيادات السياسية المتصدية للمسيرة، بما يحمله ذلك من دلالات أخرى من أن الحصانة المفترضة للقيادات السياسية باتت محل تساؤل، على الأقل، إن لم نقل أنها خطوة أخرى للاقتراب من اقتناص القيادات، ليكون الأمر (طبيعيا)، تماما كما يبدو الأمر (طبيعيا) ونبيل رجب في السجن، بعد أن كان يعتقد أنه محصن ضد الاعتقال. بيد أن سياسة الحكومة المتدرجة لاعتقاله أتت أكلها في النهاية، وهو الأمر الذي يمكن أن يكون في استهداف القيادات، وصولا ـ ربما ـ إلى تصفيتهم.
ومع ذلك، وكما قال أمين عام جمعية الوفاق الشيخ علي سلمان، فإن تغريدة واحدة تبدو كافية لهدم مقولات السلطة، فإن تظاهرة واحدة حاشدة قادرة على تسليط الضوء على الوضع القائم، وكفيلة بهدم مقولات عودة الأمور إلى نصابها في البحرين.
في الواقع، الخوف ليس هنا، ذلك أن الانتفاضة مازالت قوية ومتماسكة، والناس (صمود)، والوضع الدولي الفاعل ـ خصوصا بعد دخول السعودية للبحرين ـ لم ينضج لحدوث تسوية بعد، لكن القلق الأساسي هو في تمكن السلطات من رسم/ فرض معادلات غير مكتوبة تكرس كسبها مزيدا من (الأرض) والميادين والشوارع والمساحات التي يفترض أن تكون متاحة للتظاهرات، وتسعى إلى تكريس ذلك الاستيلاء/ الاحتكار واقعا سياسيا، أو أن تكون بداية/ أرضية/ أساس لواقع سياسي. ذلك أن التجربة تقول أن (لأرض) قد تتحول (أرضية) (معطى/ نتيجة/ ثمرة سياسية)، من يسيطر عليها (الأرض) من المحتمل أن يكون في وضع أقوى. إنها معادلة يتوجب نقاشها، مع ضروروة الالتفات إلى أن (الأرض) يفترض أن تكون أوسع من الساحات والشوارع الرئيسية، إنها أيضا قد تشمل ـ إذا ما أردنا توسيع النقاش ـ كل مدخلات العملية الثورية والنضالية، وأحد عناصرها المهمة إيقاع الساحات التي يتوجب على الجمهور المنتفض التمسك بها.
استيراتيجيا يسعى الحكم إلى ضبط إيقاع الحركة الاحتجاجية واحتوائها. ويعتقد فريق من السلطة، خصوصا أولئك العسكريين المتنفذين، أن جزءاً كبيرا قد تحقق من ذلك، من خلال وضع خطوط حمراء على التجمع السلمي في دوار اللؤلؤة، صارت معه الكلفة عالية للوصول إلى مركز الاحتجاجات في فبراير ومارس من العام الماضي. وساهمت الجمعيات السياسية ـ بسبب قلقها من سقوط ضحايا ـ في إقناع الشارع بأن الوصول إلى دوار اللؤلوة ليس هدفا للانتفاضة.
الخط الأحمر الثاني الذي وضعته السلطة يتمثل في منع وصول التجمهرات السلمية للعاصمة المنامة، وتعتقد قوى في النظام أن هذا الهدف تحقق إلى حد بعيد، خصوصا مع اعتقال نبيل رجب قبل عدة أسابيع، بعيد تحديه إحدى المحرمات الحكومية، ومحاولة كسر الطوق عن العاصمة، قلب البلد، ومركز اقتصادها وسياستها.
بالمقابل، فتحت السلطة الباب للتجمعات المرخصة، التي تقيمها الجمعيات السياسية (الوفاق وشريكاتها الأربع)، لكنها ظلت طوال الوقت تستهدف التجمعات التي تتبانها الجماعات الشبابية، وائتلاف 14 فبراير، الغامضة قيادته.
التجمعات المرخصة مرت بعدد من الأطوار: فقد سمح في البداية لمختلف التجمعات أن تقام في الساحات، والمسيرات في الشواع، خصوصا تلك القريبة من شارع البديع، لكنها باتت محل استهداف اليوم.
في فبراير من العام الجاري (2012)، حيث الذكرى الأولى للاحتجاجات، بدت السلطة سخية وهي تسمح لتجمعات حاشدة في ساحة الحرية في منطقة المقشع. حينها تمكن الشارع من التعبير عن رأيه، وشعر بالزهو وعودة الروح، دون أن يفزع السلطة، كما كان يفعل حين تجمع في دوار اللؤلوة. (وأشهدكم القول بأني وجدت صعوبة من التحذير من تداعيات تجمع المقشع، بعد أن استطلعت رأي العشرات ورأيت حماسهم وأنفتهم).
والأهم، بعيد تجمع المقشع، أن التجمعات الشبابية بدت وحيدة، ومكسورة الجناح، وبلا دعم سياسي في دعوتها للذهاب إلى الدوار، وهي الدعوة التي فشلت في تحقيق أهدافها، رغم وصول بضعة شبان وشابات، للوقع الذي يحمل معاني الشهادة والحرية.
ودون شك، لم يكن اتفاقا مكتوبا بين الجمعيات السياسة والسلطة، بأن تكون ساحة الحرية بالمقشع بديلا عن الدوار، لكن ذلك صار أمراً واقعا.
الاتفاقات غير المكتوبة (أعني غير المتفق عليها لكنها باتت واقعا) شملت أيضا عدم التجمع في المناطق التي ترى السلطة حساسيتها، وعدم التجمع في المحرق، ومدينة حمد ومدينة عيسى حيث التواجد الموالي كبيرا. لكن مسلسل التجمهرات السلمية الحاشدة استمر في الشوارع الرئيسية: شارع البديع، شارع سلمابادـ عالي، لكن ليست الشوارع الرئيسية قرب المنامة وأطرافها، كما كان الحال حتى ما قبل 14 فبراير، حين كانت الجمعيات السياسية تنظم مسيرات في شارع السيف مثلا.
الخطوة التالية بالنسبة للسلطة هي أن تحد من التجمعات والمسيرات في الشوارع الرئيسية غير شارع البديع، ومع مرور الوقت فإن شارع البديع سيكون تحت المجهر.
لقد حققت التجمعات السلمية المرخصة نتائج غاية في الحيوية للمعارضة. لكنها أعطت النظام مدخلا للتحكم في التظاهرات. وتعتقد أجهزة الأمن أن الوقت بات مناسبا للمضي في تضييقات أوسع، مادامت القوى السياسية تخضع للضغوط، وقلقة من سقوط الضحايا، خصوصا من إصابة المئات من المواطنين برصاص الشوزن ومسيلات الدموع، والذين بات العديد منهم بعاهة مستديمة.. وتأمل السلطة أن يأتي موعد انتخابات 2014، وربما قبل ذلك، والمتظاهرات محصورة في الأزقة.
هل هذا ممكن؟ كما قاربنا الهدف النهائي للسلطة: وهو احتواء التظاهرات وحشرها في الزوايا الضيقة، فإن الهدف الاستيراتيجي للجماعات السياسية هو إبقاء شعلة التظاهرات كتعبير عن الرفض للأمر الواقع، واستمرار المطالبة بالديمقراطية.
رغم أن السلطة سجلت انتصارا على الأرض، وتمكنت من (الاستيلاء) على العديد من الساحات والشوارع الرئيسية، وهو أمر يتوجب أن يلفت نظر المعارضة، فإن احتمالات تحويل هذا المعطى إلى نصر سياسي مازال بعيد المنال، لأن التظاهرات ستستمر، بما في ذلك التظاهرات التي ستتبناها الجمعيات السياسة، التي مهما بدت حذرة ومحافظة وتحاول العودة إلى مسار تفاوضي له متطلباته، فإن وراءها جمهورا يدفعها نحو مواصلة الانخراط في العمل الميداني.
فلما كانت هذه الجمعيات في المقدمة، فإنها بالضرورة ستكون متأثرة بمن يمشي خلفها، إن قبل بالوضع وظل يمشي خلف الجمعيات دون أن يدفعها إلى الأمام، أم أنه يمضي وراءها ويده تدفع ظهورها إلى الأمام، وهو الأمر الذي رأيناه بوضوح في تظاهرة الجمعة 22 يونيو الجاري، حين جاء الاستهداف للقيادات السياسية المتصدية للمسيرة، بما يحمله ذلك من دلالات أخرى من أن الحصانة المفترضة للقيادات السياسية باتت محل تساؤل، على الأقل، إن لم نقل أنها خطوة أخرى للاقتراب من اقتناص القيادات، ليكون الأمر (طبيعيا)، تماما كما يبدو الأمر (طبيعيا) ونبيل رجب في السجن، بعد أن كان يعتقد أنه محصن ضد الاعتقال. بيد أن سياسة الحكومة المتدرجة لاعتقاله أتت أكلها في النهاية، وهو الأمر الذي يمكن أن يكون في استهداف القيادات، وصولا ـ ربما ـ إلى تصفيتهم.
ومع ذلك، وكما قال أمين عام جمعية الوفاق الشيخ علي سلمان، فإن تغريدة واحدة تبدو كافية لهدم مقولات السلطة، فإن تظاهرة واحدة حاشدة قادرة على تسليط الضوء على الوضع القائم، وكفيلة بهدم مقولات عودة الأمور إلى نصابها في البحرين.
في الواقع، الخوف ليس هنا، ذلك أن الانتفاضة مازالت قوية ومتماسكة، والناس (صمود)، والوضع الدولي الفاعل ـ خصوصا بعد دخول السعودية للبحرين ـ لم ينضج لحدوث تسوية بعد، لكن القلق الأساسي هو في تمكن السلطات من رسم/ فرض معادلات غير مكتوبة تكرس كسبها مزيدا من (الأرض) والميادين والشوارع والمساحات التي يفترض أن تكون متاحة للتظاهرات، وتسعى إلى تكريس ذلك الاستيلاء/ الاحتكار واقعا سياسيا، أو أن تكون بداية/ أرضية/ أساس لواقع سياسي. ذلك أن التجربة تقول أن (لأرض) قد تتحول (أرضية) (معطى/ نتيجة/ ثمرة سياسية)، من يسيطر عليها (الأرض) من المحتمل أن يكون في وضع أقوى. إنها معادلة يتوجب نقاشها، مع ضروروة الالتفات إلى أن (الأرض) يفترض أن تكون أوسع من الساحات والشوارع الرئيسية، إنها أيضا قد تشمل ـ إذا ما أردنا توسيع النقاش ـ كل مدخلات العملية الثورية والنضالية، وأحد عناصرها المهمة إيقاع الساحات التي يتوجب على الجمهور المنتفض التمسك بها.
اقرأ أيضا
- 2024-11-23التعايش الكاذب وصلاة الجمعة المُغيّبة
- 2024-11-20دعوة في يوم الطفل العالمي للإفراج عن الأطفال الموقوفين لتأمين حقهم في التعليم
- 2024-11-18النادي الصهيوني مرحبا بالملك حمد عضوا
- 2024-11-17البحرين في مفترق الطرق سياسة السير خلف “الحمير” إلى المجهول
- 2024-11-13حول ندوة وتقرير سلام تعزيز الديمقراطية.. أمل قابل للتحقيق