الملِك الذي لا يعول عليه
2012-07-31 - 5:50 م
مرآة البحرين (خاص): تقوم العادة السياسية في شهر رمضان على أن تتحرّك ماكينة القيادات السياسية لبرنامجٍ حافل من الزيارات المُتبادلة، لتحمل معها رسائل سياسية، ويتم عبرها عقد تحالفاتٍ جديدة أو يتم تقوية القائم منها. المُدهش في هذا العام أنّ رأس النظام السياسي ظلّ مُختفيًا وغير مُكترثٍ بما كان مشغولًا به مُنذُ تولّيه الحكم، وهو تدشين علاماتٍ تجارية في سلك العلاقات العامة، الذي يجهد كثيرًا في استثماره، والظهور من خلاله كظلِّ خارج الظلال الموجودة. في المُقابل تُلاحظ زيادة وتيرة ظهور ولي عهده بعد اختفاءٍ مُماثل، جرّاء الإخفاق المتكرر في توسعة الظل الخليفي، وعجز النظام كاملًا عن إعادة السيطرة على ما فقده مُنذ 14 فبراير 2011.
الحديث عن عدم صلاحية ملك البحرين لمزاولة الحكم لم يعُد سرًّا أو تخطّيًا للمجال المسموح به في الحديث السياسي، فقد راهن العديد من السياسيين على أهمية الاحتفاظ بورقة الملك من أجل الوصول لما يُطلق عليه بالتسويات السياسية المُرتقبة. طوال شهور الثورة في البحرين لم يعطِ الملك أملًا لأن يكون رهان المُراهنين معقولًا أو مقبولًا، ابتداءً من خطابة المُثير للسخرية في فترة فرض الأحكام العُرفية، وظهوره على برنامجٍ إذاعي يسأل فيه المذيعين عن جمال صوته على الهواء مباشرةً، مرورًا بنصائحه المثيرة للشفقة حول الذهاب للقنص وعدم الاستماع للأخبار. وليست غريبةً تصريحاته أمام المشاركين في فعالية الإعلام العربي، وقوله بأنّ شعب البحرين جميعه جاء من الزبارة واستقر في البحرين قبل 200 سنة. هكذا أثبت الملك أنه لا يعول عليه وأنّ صلاحياته كحاكم هي محل تساؤل وريبة، بعيدًا عن ما يتحمّله من مسؤولية سياسية وجنائية إزاء الانتهاكات الدائمة مُنذ أكثر من عامين وإصراره على مدح مرتكبيها والإشادة بهم في كلِّ مُناسبة.
تراجُع الملِك وتقدُّمْ وليِّ العهد ربّما حمل بعض الرسائل، والمرجو أن لا تُفهم بشكلٍ خاطئ، فأمام ذلك عشرة شهر رمضان الأخيرة التي يظهر فيها الملك بخطابٍ عام، وكمُنشّط حيوي لفعالية النظام ورفع جاهزيته. ومن المتوقع أن يكون خطابًا روتينيًا لكنّه شديد الإخلاص لآلة القمع والقتل والتذلّل أمام حضرة المشير، وهو تذلل جبري يرجع لسنوات الدراسة العسكرية في بريطانيا ( 1967-1968) التي لم يُنهها الملك وأنهاها المُشير مما يُضيف بعدًا آخر في عدم الصلاحية.
عدم الصلاحية والمسؤولية الجنائية هما ما يواجهه ملك البحرين كبوّابةٍ لمأزقٍ يرى فيه العديد من المُراقبين أنّه سيطول أيضًا دون أن يكون له مخرج، وفي الوقت ذاتِه فمن الواضح أنّ الملك أيقن تمامًا أنّ سياسة الاختفاء والنأي بالنفس عن رسم السياسات العامّة للبلاد أدّيا به لمأزقٍ شخصي، مُمثَّلٌ في فتح باب خلافته على شرارة الغيرة، ومُقاسمة الغنيمة، فما بين ولي العهد والابن المُدلّل ناصر، ما يُدلِّل على إعادة سيناريو عيسى / خليفة الذي حكم البحرين مُنذ أربعة عقود. أمام ذلك فمن المُهم التحذير من أخذ تبادُل المواقع في الصورة على أنّه بدايةٌ لمراجعةٍ سياسية يُقدِم عليها النظام أو ما يُشبه ذلك. بالإمكان طبعًا فهم هذه الاستراتيجية على أنها واحدة من ضمن استراتيجيات البقاء، والحفاظ على الحياة، وإطالة المدة، فأمام كل ذلك مرحلةٌ مقبلة شديدة الحساسية، وهي تثبيت حقّ تقرير المصير كآلية رافعة للحراك السياسي، ونافذة سياسية لعزل النظام عن حدائقه الوهمية والمُتلَفة أساسًا.
لعلَّ الأخذ بكهذا تحليل يقودُنا للنظر إلى ما يقوم به ائتلاف 14 فبراير والحركات الشبابية على أرض الواقع على أنّه المأزق الحقيقي للملك وللنظام، وأنّ إعادة فعاليات حق تقرير المصير هي رسالة مُضادّة لرسائل تبادل مواقع الصور، ورسالة لأن تكون القيادات السياسية أمام مسؤولياتها التاريخية والأخلاقية في حماية الشعب من أي إعادة إنتاج لميراث العبودية والتسلّط.