رسالة إلى قضاة لا أعرفهم: أفرجوا عن أمي فاطمة آل نصيف
2019-07-16 - 12:10 م
أريد أن أوجه نداء إنسانيًا للقضاء في الرياض، اسمي شهد، عمري خمسة عشر عامًا، منذ أكثر من عشرة أيام لم أسمع صوت أمي فاطمة آل نصيف، سمعت من زميلاتها في السجن أنها أخذت للمحاكمة في الرياض من الأسبوع الماضي، كنا نترقب رجوعها لسجن المباحث في الدمام، وأمس الاثنين موعد مكالمتنا الأسبوعية، انتظرنا مكالمة منها تخبرنا شيئًا عن محاكمتها، لكن لم يأتنا شيء يطمئن قلوبنا.
أيها القضاة،
لم يكن لدينا مالًا لنوكل محاميًا لأمي، استنفدنا ما لدينا من مال في محاكمات إخوان أمي مصطفى وماجد، ماجد (مواليد 1980) اعتقل في 2011، وهو محكوم 17 عامًا، ومصطفى (مواليد 1983)اعتقل في 2009 ومازال ينتظر محاكمته. فقدنا قدرًا كبيرًا من مدخراتنا من الذهب والمال حين دخل مجموعة من رجال الأمن يقودهم ضابط يلبس شماغًا أحمر، أخذوا كل ما في خزينة البيت بعد أن أرعبونا في اليوم الثاني من اعتقال والدتي. من جانب آخر دفعنا الكثير لمحامين، أقصى ما كانوا يستطيعون فعله هو إخبارنا بمواعيد المحاكمات فقط، ودفعنا أكثر لوسطاء متنفذين في الدولة أوهمونا أنهم قادرين على الإفراج عنهم، فلم يتبق لنا من مال أو أمل أو ثقة لندفع لمحام أو وسيط.
أيها القضاة،
حين اعتقلت أمي كان عمري ثلاثة عشر عامًا، وجدت نفسي مسؤولة عن أختي بتول، علي أن أكذب عليها لأوهمها أن أمي ليست في السجن، نعيش الآن في كندا منذ أشهر، لأتمكن من إقناع بتول إننا لسنا قريبين من أمي لنزورها، وضعنا أنا وبتول مربك جدًا، فجأة وجدت نفسي أمًا وفجأة وجدت بتول نفسها بغير أم، وعلى حين فجأة وجدنا أنفسنا في غير وطننا الذي تعيش فيه أمنا فاطمة آل نصيف خلف القضبان.
أيها القضاة،
صدقوني أني لمت أمي أكثر منكم، كنت أخاطبها في سري وعلانيتي، ماذا فعلت من جريمة ليكون هذا مصيرنا، قلت لها في حواراتي المتخيلة الكثيرة معها، ما كان لك أن تضعينا في هذا الموقف الحرج، لمتها كثيرًا وغضبت منها وأوشكت أن أقطع علاقتي بها، لكني أنسى كل ذلك مع أول كلمة تأتيني من هاتف سجنها، أدرك أن هذا الصوت المليء بالحب لنا والحسرة علينا والألم من أجلنا، لا يمكن أن يفعل شيئًا يستحق السجن.
أيها القضاة،
أرجوكم أن تتأملوا بقلوبكم مشهدًا واحدًا من مشاهد مآسينا أنا وأختي بتول: ونحن نهم بتوديع أمي بعد مقابلات الساعة التي تمنحها لنا إدارة السجن في الشهر، ما عدت أنا الطفلة التي لا تستطيع مغادرة حضن أمها، صرت أنا الأم والأب والجدة التي عليها أن تخبئ كل هذا الألم والانكسار لتخلص أختها الصغيرة من أحضان أمها، أرجوكم أيها القضاة اسألوا العاملين في السجن كيف يكون وضعنا في المقابلات، اسألوا عيونهم المليئة بالتعاطف معنا، اسألوا قلوبهم المنكسرة من أجل فاطمة وبناتها، تخلوا ولو مرة واحدة عن الأوراق التي بين يديكم، وتأملوا مشهدنا.
أيها القضاة،
أمي فاطمة آل نصيف، كانت قد أنهت تطبيقها العملي في مجال التمريض في الصيف الذي تمّ فيه اعتقالها في 2017، هل تعرفون كيف تمّ اعتقالها؟ كنت أنا وبتول معها في السيارة، فجأة أوقفتنا سيارة مدنية، خرج منها ملثمون، لذنا بأمي من شدة الخوف، سحبوها من بيننا بعنف وانهالت علينا الشتائم، ضربوا وجهها بالسيارة، وما زلت أحفظ شكل الكدمة التي صارت في وجه أمي، تبولت بتول من هول الرعب الذي صارت فيه، خرجنا علي وجوهنا لا نعرف بمن نلوذ في تلك اللحظات، فجأة فقدنا حضن أمنا، ما عادت لنا أمًا بعد ذلك. جدتنا توفيت قبل هذه الحادثة بعام حزنًا وكمدًا على ابنيها المعتقلين أيَضًا، ربما هي رحمة الله حلت بها، أن ترحل قبل اعتقال ابنتها.
أيها القضاة،
أقول لصديقاتي الكنديات هنا أن الإسلام دين الرحمة والعفو، لكني أقف عاجزة عن إقناعهم بذلك بسبب قصتي، يقولون لي: كيف يكون الإسلام دين رحمة ومغفرة ولا يجد القاضي الذي يحاكم أمك منفذًا في هذه الشريعة التي يحكم باسمها للإفراج عن أمك؟ هل دينكم بهذه القسوة ليحكم على أختك بتول بهذا الحرمان القاتل للروح والطفولة؟ كيف لهذه الرحمة أن تعمى عن هذه الطفولة بحجة أن أمها متهمة بتقديم مساعدة طبية لمحتجين سياسيين؟ أرجو من حضرتكم أيها القضاة أن تعينونا على تقديم نموذج للرحمة، أريد أن أخبرهم أن رحمة الإسلام أفرجت عن أم بتول ومكنتها أن تسترد حضن طفولتها.
أيها القضاة،
أنا منذ سنتين، لم أذق طعم الاحتفال بعيد الأم، حاولت في السنة الأولى أن أقدم لأمي سلسلة ذهبية تعبيرًا لها عن الأمل في أن يفك الله سلاسل الحديد التي تثقل حريتها، لكن إدارة السجن قالت لي ممنوع. صرت أهرب ليس من عيد الأم فقط، بل أهرب من كل مشاهد الأمومة، لأنها تُعيدني إلى محنة أمي التي فقدت حديثي اليومي معها، وفقدت لحظات رواية قصصي المدرسية معها، وفقدت لحظات النجوى بيني وبينها، فقدت الصفة التي كانت تشعرني بالفخر(مدللة أمها).
أيها القضاة،
إن لم تجدوا بين نصوصكم الشرعية مخرجًا يردنا إلى حضن أمي، فلتسع قلوبكم رحمة الله لتروا بها مشهد طفولتنا المعذبة.
شهد ابنة فاطمة آل نصيف
يوليو 2019
لتحميل الملف بصيغة pdf باللغة العربية : رسالة إلى قضاة لا أعرفهم: أفرجوا عن أمي فاطمة آل نصيف
لتحميل الملف بصيغة pdf باللغة الانجليزية: A Letter to Judges I Don’t Know: Release My Mother Fatima Al-Nasif
- 2024-11-23التعايش الكاذب وصلاة الجمعة المُغيّبة
- 2024-11-20دعوة في يوم الطفل العالمي للإفراج عن الأطفال الموقوفين لتأمين حقهم في التعليم
- 2024-11-18النادي الصهيوني مرحبا بالملك حمد عضوا
- 2024-11-17البحرين في مفترق الطرق سياسة السير خلف “الحمير” إلى المجهول
- 2024-11-13حول ندوة وتقرير سلام تعزيز الديمقراطية.. أمل قابل للتحقيق