التعليق السّياسي: شهيد العشر الأواخر
2012-08-18 - 12:26 م
مرآة البحرين (خاص): لا يستطيع، عادةً، النّظامُ الذليلُ مواجهةَ الكبار، وحين يدوس عليه الكبارُ أكثر فأكثر فإنه يعوّض عن ذلك بالانتقام من الضّعفاء والمسالمين والأطفال والنساء. النّظام البحريني لم يغادر الحضيض يوماً، وهو منبوذ من الدّول المتحضّرة، بما فيها الدّول التي يعتبرها صديقة له وداعمة لسياساته الفاشيّة. مع كلّ إدانة، ومع كلّ إهانة، يردّ النّظام بالطغيان على شعبه، والإمعان في إزهاق أرواحهم. الشهيد حسام الحدّاد يُقدِّم شاهداً جديداً على ذلك.
عندما ظهر العاهل على الشّاشة قبل أيّام، كان البحرينيون يتناقلون بينهم أن موتاً قادماً في الطّريق. إنهم يرون ظهوره قرينةً على جريمةٍ وشيكة الوقوع، وهذا الشّعور الجمعي لا يعبّر فقط عن استخفاف بالحاكم، ولكنها طريقة "شعبيّة" – أثبتت صحّتها أكثر من مرّة - لقراءة الأحداث المرتقبة. الحاكم مُحاصرٌ في قصوره، وهو لم يحظ بأيّ ظهور "عام" منذ اندلاع الثّورة، وقد انعكس ذلك على أوضاعه النفسيّة المتدهورة، لاسيما وأنّه من محبّي الاستعراض أمام "الجمهور" وتوزيع زهوه الكذّاب بين النّاس. من جهة أخرى، فإنّ السّعوديّة تتعامل معه وكأنه أحد عبيدها، وليس شقيقاً صغيراً أو أخاً طائشاً. وحين يهرب إلى الخارج تلاحقه التظاهرات وتحاصره صور الشّهداء والرّهائن المحتجزين في سجونه المظلمة. تُكمل إيران المعضلة، وتتصرّف معه وكأنه غير موجود، وأحياناً تتعامل معه – عن عمدٍ – بأسلوب التّرعيب الفكاهي الذي يُستخدم مع الأطفال الصغار لدفعهم إلى النّوم. ينامُ الملك حتّى الظّهيرة، وتتحوّل إيران إلى كابوسٍ ساسانيّ. وحين يستيقظ الملك يتحوّلُ إلى هذيانٍ غير منقطع، لا يعي ما يقول، ولا يعرف كيف يُعالج الأحلام السّوداء التي تداهمه من حيث يدري ومن حيث لا يدري.
يرى العاهل نفسه بوضوحٍ حادٍ، أكثر من غيره. لقد بات مبغوضاً من النّاس، وبدرجاتٍ لا يمكن عدّها أو حلّها. أصبح موقِناً أنّه غير قادر على رفْع يده من بركة الدّم. إنه شعورٌ "مرَضي" ينتاب الطّاغية حين يتغشّى بالقتل ويستلذّ ملاحقة الأرواح البريئة. كشف العاهلُ عن عُسْره العظيم وتعسّراته الأليمة في خطاب "العشر الأواخر". أطاح ليلتها بكلّ الحياء وبهراءات ابنه سيء الحظ، وأخذ يُردّد، ككائنٍ محنّطٍ، أسطوانةَ العهود البائدة. يتحدّثُ عن تهديدات خارجيّة، ويتفاخر بديقراطيةٍ لا مثيل لها، ويُوسِّط الخطابَ تهديداتٍ "فصيحة" تتوعّد بضّرب قويّ لا يرحم.
لم يتأخّر مرتزقة العاهل. هم يعرفون العيّنةَ التي يعشقُ التمرّغ في دمائها. إنهم يعرفون تماماً أيّ ذوقٍ حرامٍ يحبُّ. اختاروا فتى صغيراً، لم تغادره البراءةُ بعد. اختاروا زمناً يطلّ على العيد. واختاروا مكاناً يسهُل على الجلاّد فليفل أن يستعرض فيه دمويّته الغادرة. تمّت الجريمة، واصطكّت الأقداح على مائدة "الحوار" التي لم ينخدع بها أحدٌ هذه المرّة.
انكسرت شوكة الملك، وأرادَ أن يُكسّر إرادة النّاس، فهمّ بالأطفال. يريدُ أنْ يُفتّت قلوب الأمّهات اللّواتي أنجبن هذا الجيل الذي حطّم أساطير الخليفيين مرّة واحدةً، وفي وقتٍ قياسيّ. يريدُ أن يُفجع الآباء ويحوّل الأعياد إلى مآتم. سيستيقظ الملك من نومه متأخّراً اليوم. سيتأخّر أكثر من المعتاد. دمُ الفتيان الأبرياء يُحيلُ مصّاصي الدّماء إلى جثثٍ هامدة، لا تتحرّك إلا حين تتعطّش من جديدٍ لدمٍ نقيٍّ جديد. عندما ينهض من نومه الثّقيل، سيرى الإرادة تُزرع خضراءَ فوق قبور الشّهداء.
هل انكسر شعبُ البحرين بمئةٍ ونيّف من الأضاحي؟ الجواب معروف للجميع، ولكن الملك لا يريد أن يعرف. أو هو لا يريد أن يُصدِّق أن هذا الشعب الطّيب غير قابل للتّراجع والتّنازل. لا يريد أن يصدّق أنّ هذا الشّعب وضعَ قدمه الثابتة على عتبة الخلاص وتقرير المصير، ولن يرفعها أبداً. لا يهمّ، إنْ صدّق الملك ذلك أم لا، لأنّ وقته انتهى، وآن أوان الشّعوب..