قيس علي: ماذا يعني أن تحرم شخصاً من التعليم في البحرين؟
قيس علي - 2019-08-23 - 1:20 ص
بعنوان كيف قتل النظام طموح آلاف الطلبة في البحرين منذ العام 2006 حتى الآن نشرت مرآة البحرين، تقريراً مفصلاً حول الآليات التي اتخذتها وزارة رفيق الملك الذي لم يتحرك عن كرسيه منذ 2002 إلى اليوم لحرمان الطلبة من التعليم على أساس مذهبي.
فصل التقرير كيف نفذت وزارة التربية والتعليم التوصيات التي وردت في تقرير البندر بهذا الخصوص، وكيف كانت تسد كل متنفس يخلقه الناس من أجل الحصول على شهادة: تدرس في الجامعة الوطنية؟ ممنوع، عن طريق الانتساب؟ أيضاً ممنوع، في الجامعات الخاصة؟ ادفع ولن نعترف. في جامعات الصين ممنوع وفي جامعات الهند ممنوع، عبر بعثات الوزارة ممنوع، وعبر بعثات الدول بعد ممنوع، وتبرعات الناس ممنوع، وكل ما تطاله يداك ممنوع، باختصار أنت ممنوع من التعليم.
مضي عامان منذ كتابة ذاك التقرير ونحن لازلنا في نفس السيرة، إذ مازالت وزارة التربية ترتكب ذات المجزرة عاماً بعد عام، في ظل ما يحدث، وفي سياق ما قد كتب سابقاً تأتي هذه السطور لتحاول أن تستوعب قليلاً مما يعني أن تمنع شخصاً قادراً، مستحقاً، راغباً، من التعليم.
فهل تعلمون ما يعني ذلك؟
ذلك يعني أن تحكم عليه هو وسلالته بالفقر، أن تجلعه في ضائقة مالية مستدامة، ينتهي عمره ولا تنتهي، ومع الفقر تأتي حسرته على ما لا يطال، وعلى ألم الحرمان الذي يعاني منه هو، ومن وراءه عياله.
يعني أن تزرع فيه القهر، لأنه يعلم أنه أفضل مما هو عليه، ويستحق أكثر مما هو فيه. في ظل قانون عمل ينتصر للتاجر على حساب العامل سينتقص منه رب عمله، وفي لحظة ضعف تصيب كل واحد منا سينتقص هو من نفسه كلما مر من صوبه صاحب شهادة.
سيعيش بقية عمره يبحث عن حل وربما لن يجد، ولن تكون له حيلة غير أن يمشي وراء الوهم وربما لن يصل، سيقف عند أول عتبة من عتبات السلم، ومالم يحصل بطريقة من الطرق على شهادة، أو واسطة ستمر السنوات وهو عند هذه العتبة، بنفس الراتب، ونفس العمل المزري، هذا على افتراض أنه حصل على عمل أصلاً.
صحيح أن التعليم والشهادة الجامعية ليست السبيل الوحيد للحصول على حياة جيدة وأن هناك استثناءات، ولكن الشهادة هي الأضمن، والأسهل، والسبيل الذي يسلكه أغلب البشر ولذلك يستخدمها النظام في البحرين كوسيلة لعقاب طائفة بأكملها.
أن تمنع أحدا من التعليم يعني أنك تكشف دماغه لمسببات الصدأ، وأن تضع له فخاً من فراغ لكي يقع في التفاهة فلا يعرف كيف يخرج منها. أن تجلعه باختصار شخصاً عادياً بل أقل.
سيفهم كل شخص في موضوع ما، وهو لا، سيستطيع كل شخص الحديث في الموضوع الذي يخصه مطولاً، سيعرف من هم القادة في هذا المجال، والكتب المهمة التي تتحدث عنه، ما هي أدواته، وما هي أهميته وكيف يمكن أن يتطور فيه، سيرجع الناس إليه كخبير وسيحترمه الناس لأنه فهيم أما الممنوع من التعليم فليس له إلا أن يستمع.
ستجعله في وضع اجتماعي أقل، ستصعب عليه وتقلل فرصه في الزواج، وتلزمه بمجالسة طبقة اجتماعية محددة وإن تطلع إلى ما هو أعلى منها فلن يستطيع مجاراتهم، لن يعرف حديثهم، ولن يستطيع أن يصرف كما يصرفون وسينظرون هم إليه بعين من شفقة وعين من غرور.
حينما تمنع أحداً من التعليم، أنت تدفعه لكي يكون مشوشاً، مشغولاً دائماً ولكنه أبعد ما يكون عن التركيز، يبحث عن حل دائماً، ويجري وراء الأمل أبداً، سوف تسلب عنه السعادة، وتغيب عنه الهدف، ليهيم على وجهه خاوياً وجائعاً لا يعرف إلى أين يأوي.
هذه ليست مبالغة، يستلزم الأمر الكثير من العمل، وقوة من حديد، وحظ لا ينتهي لكي ينجو غير المتعلم من اليأس، ويخرج من الحفرة التي أوقعوه فيها. في حين أن متعلم واحد .. واحد فقط في اختصاص متقدم وعمل مهم يستطيع أن يغير حال عائلة بأكملها. إن كنت واحدا من هؤلاء فستعرف، وإن لم تكن فتخيل أنك مديراً لبنك، أو استشاريا في مستشفى، أو قائد طائرة أو مديرا تنفيذا في شركة كبيرة، كيف كانت ستكون حياتك وحياة الناس من حولك؟ كم كانت ستكون حياتك وحياتهم أفضل؟ هذا هو بالضبط ما يسلبه النظام في البحرين من المتفوقين.
*كاتب بحريني مهتم بالشأن العام، مقيم في نيوزيلندا
- 2024-11-23التعايش الكاذب وصلاة الجمعة المُغيّبة
- 2024-11-20دعوة في يوم الطفل العالمي للإفراج عن الأطفال الموقوفين لتأمين حقهم في التعليم
- 2024-11-18النادي الصهيوني مرحبا بالملك حمد عضوا
- 2024-11-17البحرين في مفترق الطرق سياسة السير خلف “الحمير” إلى المجهول
- 2024-11-13حول ندوة وتقرير سلام تعزيز الديمقراطية.. أمل قابل للتحقيق