وصايةٌ إيطالية على البحرين بحجّة التطوير الرقمي

2025-02-07 - 9:53 م

مرآة البحرين : على هامش زيارة رئيسة وزرائها جورجيا ميلوني الى المنامة، منحت البحرين إيطاليا حق السيادة على معلومات المشتركين التابعين لها في مراكز الحوسبة السحابية في المملكة. 

 

الحجّة الرسمية لهذه الخطوة غير العادية قدّمها الرئيس التنفيذي لهيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية البحرينية محمد القائد الذي قال إن هذا المنح يتماشى مع المرسوم بقانون رقم 56 لسنة 2018 بشأن تزويد خدمات الحوسبة السحابية لأطراف أجنبية والقرارات الوزارية ذات الصلة، مشدّدًا على أن ذلك تأتي في سياق تعزيز التعاون المستمرّ بين البلدين في مجال التحول الرقمي وتبادل الخبرات.

 

إذًا العنوان هو تعزيز التعاون التكنولوجي والتبادل الرقمي بين الجانبيْن. بهذه الخفّة والبساطة، تريد أن تُقنع الدولة مواطنيها بأن ما أقدمت عليه طبيعي جدًا ولا يدعو للقلق. 

 

* ماذا تعني الحوسبة السحابية؟

 

وحتى يكون البحرينيون على بيّنة ممّا جرى وماذا يعني، يجب توضيح الآتي: 

 

الحوسبة السحابية هي تقنية تُتيح لمستخدميها الوصول إلى الموارد الحاسوبية مثل الخوادم والتخزين وقواعد البيانات والبرامج عبر الانترنت، بدلًا من الاعتماد على أجهزة الكومبيوتر الشخصية أو الخوادم المحلية. وهذه التقنية توفّر مزايا مثل تقليل التكاليف وسهولة التوسّع وإمكانية الوصول من أيّ مكان وأيّ جهاز متصل بالانترنت.

 

بشرحٍ مبسّط، يقوم مفهوم الحوسبة السحابية على توفير الخدمات كتخزين البيانات وتشغيل التطبيقات دون الحاجة إلى شراء أجهزة قوية أو تحميل برامج معقّدة، لأن كل شيء يعمل من خلال الانترنت، مثل استئجار الكهرباء أو الماء، من دون الحاجة إلى امتلاك محطة خاصة لتوليد الكهرباء.

 

وعليه، مجالات اعتماد الدول على هذه التقنية واسعة ولعلّ أبرزها الخدمات الحكومية الالكترونية، الأمن والدفاع، التعليم، الصحة، الاقتصاد والأعمال، إدارة الكوارث والطوارئ. أي أن الحوسبة السحابية بديل هام لمصادر تقنية المعلومات للمؤسسات في جميع أنحاء العالم.

 

* عن قانون رقم 56 لسنة 2018..

 

يركن الرئيس التنفيذي لهيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية البحرينية في الاتفاقية إلى قانون رقم 56 الصادر سنة 2018، ليقول كلّ شيء "تمام"، غير أن اللافت في هذا القانون بالتحديد مادته الثالثة التي تتحدّث عن الولاية على محتوى المشترك، إذ تشير الى أن "محتوى المشترك يخضع إلى الولاية الحصرية للمحاكم المختصة، والسلطات الأجنبية المختصة، في الدولة الأجنبية موطن المشترك، أو مكان تأسيسه، أو إنشائه. وينطبق على المحتوى المذكور أحكام القوانين السارية في الدولة الأجنبية".

 

وبناءً على ما ورد في القانون، يقصد بولاية المحاكم المختصة والسلطات العامة المختصة سلطة إصدار أوامر نافذة وملزمة وفقاً لقوانين الدولة الأجنبية لمزود الخدمة والمشترك المعني بشأن محتوى المشترك، ويشمل ذلك الأمر بإتاحة محتوى المشترك أو الكشف عنه أو حفظه أو الإبقاء على سلامته.

 

كما تتضمّن المادة الثالثة أن "على مزود الخدمة، في حال تسلمه أمرًا من محكمة مختصة أو سلطة عامة مختصة في دولة أجنبية مما يندرج ضمن ولايتها وفقًا لأحكام هذه المادة، القيام في أقرب فرصة ممكنة بإخطار النيابة العامة كتابة بذلك مع إرفاق نسخة من الأمر المشار إليه. وأن يباشر القاضي المختص والنيابة العامة في المملكة، كل وفقًا لاختصاصه بموجب أحكام قانون جرائم تقنية المعلومات، الأمر بتنفيذ أيّ أمر واجب النفاذ يكون نهائيًا غير قابل لأي طعن، صادر من قبل محكمة مختصة أو سلطة عامة مختصة في دولة أجنبية تكون قد أصدرته لمزوّد الخدمة استنادًا لسلطتها بموجب أحكام هذه المادة فيما يتعلق بإتاحة محتوى المشترك أو الكشف عنه أو حفظه أو الإبقاء على سلامته أو أي أمر آخر يتعلّق بمحتوى المشترك يكون للقاضي المختص أو النيابة العامة سلطة بشأنه وفقًا لأحكام قانون جرائم تقنية المعلومات".

 

 

*الاتفاقية لا تُطمئن بعكس ظاهرها

 

بالعودة إلى اتفاقية البحرين وإيطاليا، الإعلان ليس عابرًا بالتأكيد. وتقديم البيانات السحابية على طبقٍ من فضّة للدولة الإيطالية بحجّة تطوير البنية التحتية للاقتصاد الرقمي لا يمكن أن يكون أمرًا عاديًا ومدعاة اطمئنان. تشريعُ البلد أمام مشاريع من هذا النوع، بمعزلٍ عن حجم استفادته من هذا التعاون، هو استخفاف بعقل المواطن الذي لن يتجاوز الناحية الأمنية فيه. 

 

هي وصاية أجنبية يُراد تكريسها ووضعها إلى جانب وصايات أخرى، تجعل البلد ممرًّا أو ربّما مقرًّا للغريب عنه، كي يُنفذّ أجندته إمّا السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية. 

 

الدولة تقرّر احتضان الأسطول الأميركي الخامس مدى الحياة، كي يستبيح أرض الوطن وأجواءه ومياهه من أجل الانطلاق إلى عمليات عسكرية في المنطقة تستهدف جبهة المقاومة فيها بالدرجة الأولى. الدولة تقرّر أيضًا تشريع أبوابها للموساد وتمنحه مقرًا وسفارة، وتوفّر له ما أمكن وتتعاون معه أمنيًا، حتى في ما يُخطّط ضدّ إيران التي إلى الآن لم يسلك الحكم طريقًا سليمًا لترميم علاقاته معها. واليوم تقرّر الدولة بذريعة قانون صدر عام 2018 تقديم معلوماتها وبياناتها لإيطاليا بهدفٍ تفترض أنه لن يُسبّب أيّ انتقاد شعبي وغير شعبي، وهو تشجيع الأطراف الأجنبية على استخدام خدمات الحوسبة السحابية من خلال مراكز البيانات والاستثمار في هذه الخدمات.

 

صَدْرُ الدولة رحِبٌ بالأجانب دائمًا، مهما طلبوا وفعلوا واستباحوا لأنهم بنظرها الأنسب والأفضل لمشروع تطوير البلد. أمّا تحصين بياناتها فلا يُشكّل هاجسًا لديها، طالما أنها بعُهدة أجنبي.