» رأي
بين «الحِوار» و«الخُوار» و«الحِمار»
ناصر زين - 2013-01-25 - 7:24 ص
ناصر زين*
ربما كان الناطق باسم قوة دفاع البحرين خالد البوعينين مُحقاً حينما وصف "الحوار" الذي دعا إليه وزير العدل البحريني بـ"الحمار" في تغريدة له على "تويتر"، إذ كأن البوعينين كان يتنبأ بأن "الحوار" المزعوم الذي كان مأمولاً منه أن يخرج البلد من "عنق الزجاجة" والأزمة الأمنية الخانقة، ويحقق مبدأ "الشعب مصدر السلطات" حقيقة وواقعاً، ما هو إلا "حمار" مربوط في شجرة لا يستطيع أن يتحرك ويحقق أي شيء إلا إذا أمره "صاحبه"، وإلا لن يستطيع غير "صاحبه" أن يحركه، لأن هذا "الحمار" سيرفض التحرك بطبيعة الحال، لأنه في النهاية يبقى "حماراً".
لا أعلم إن كانت نظرية "الاستحمار" التي طرحها المفكر المبدع علي شريعتي تنطبق على هذا "الحمار" - عذراً أقصد "الحوار" _ أم لا !!! ، فبعد أن توسّم كثير من "المساكين" خيراً في دعوة "الحوار" بأن تكون منطلقاً للتحوّل الديمقراطي الحقيقي في البحرين والذي سالت من أجله الدماء وانتُهكتْ الأعراض وسُجن من سجن وقُتل من قتل، فإذا بنا نكتشف أن المتحاورين في هذا "الحوار" ما هم إلا أشخاص وممثلون عن "جمعيات" لا يعلمون على ماذا سيتحاورون؟ ولماذا يجتمعون؟ وكيف يحاورون؟ وعلى ماذا يجتمعون؟ .. و"ويش السالفة ما تدري" .. وكأن الحوار عبارة عن "عباس على جباس". كما يقول المثل.
والأدهى، أن الطرف الذي يجب أن يتواجد في "الحوار" لكي يتم الحوار معه "نايم في العسل" ألا وهو النظام البحريني نفسه باعتباره هو المستحوذ على القرار والثروة الوطنية منذ عقود، وهو سبب الأزمة الأمنية وطاحونة القتل والعنف، والأطراف الأخرى هم ممثلون عن الإرادة الشعبية المسلوبة لمبدأ "الشعب مصدر السلطات" .. فكيف يحاور الشعب نفسه، والسلطة البحرينية "تطمّش" على "المتحاورين" وهم يتحاورون مع بعضهم بعدم وجود الطرف الذي يجب أن يتواجد للتحاور معه؟!!
نعم، هذه ليست نكتة أو "فيلم هندي"، وإنما حقيقة، فقد صرّحتْ به المتحدث باسم الحكومة البحرينية وزيرة الدولة لشئون الإعلام سميرة رجب بأن "الحكومة لن تشارك في الحوار كـ(طرف) مقابل المعارضة السياسية، وإنما ستكون الحكومة (منسقاً) لبرامج وفعاليات الحوار".
وتقول سميرة رجب "أن الحكومة تصرُّ على كلمة (التوافق) في هذا الحوار، الذي يحاور فيه الأشخاص (الموالون للسلطة الذين ليس لهم اعتبار رسمي) أشخاصاً وممثلين عن جمعيات معارضة يريدون أن ينقذوا البلد من محنته التي تعصف به منذ نحو عامين في دوّامة من العنف الرسمي والقتل خارج القانون كما أكد ذلك تقرير السيد بسيوني الذي لم ترَ أغلب توصياته النور، رغم تعهد النظام بتطبيق جميع التوصيات الواردة فيه، إلا أنه – كما غيره – يبقى حبراً على ورق، ولا زال "سجناء الرأي" والرموز الوطنية المعارضة يقبعون في السجون لمدد طويلة، في الوقت الذي تدعو فيه الحكومة المعارضة والموالين لها إلى "الحوار" لكي يتحاوروا مع بعضهم، وهي (أي السلطة) سائرة في منهجها في "تهيئة" الأجواء المناسبة لهذا "الحوار"، ولا أدل على ذلك تأييد المحكمة حكم الإعدام علي الشاب علي الطويل تزامناً مع دعوة الحكومة للحوار في اليوم نفسه!!
فهل هذا الحوار "الجاد" و"ذا مغزى" الذي كانت تطالب به وتدعو إليه الدول الكبرى الحليفة للنظام البحريني للتحاور مع المعارضة المتمثلة في الجمعيات السياسية والفصائل المعارضة الأخرى؟!! هل هذا فعلا يسمى حواراً تكون الحكومة فيه "منسقاً" وليس "طرفاً"؟!!، وكيف سيحاور "الموالون للسلطة" المعارضين، وهم – أي الموالين – لا يؤمنون برؤى ومتبنيات المعارضة المتمثلة في و"ثيقة المنامة" و"المبادئ السبعة" لولي العهد، بل هم ضدها؟!! وكيف سيصلون أصلاً إلى (توافق) كما شددت على ذلك الحكومة على لسان سميرة رجب؟!! وهل (التوافق) الذي تعنيه الحكومة (الموقرة والرشيدة) هو عدم تغيرها، وانتخابها من قبل الشعب الذي هو "مصدر السلطات جميعاً" كما نص على ذلك الدستور نفسه المختلف عليه؟!! ... خوش حوار جاد وذا مغزى بصراحة.
ختاما، أقول: لابد أن يكون هناك "حوار حقيقي وجاد" يستطيع أن يوقف دوّامة القتل والعنف الدائرة في البلد من الجانب الحكومي والذي أثبتتهُ السنتان الماضيتان وما جاء في تقرير بسيوني، ولا بد لهذا الحوار الـ "ذا مغزى" أن يكون بين طرفين مختلفين ويكون المتحاور من الجانب الرسمي "بيده القرار" وتكون السلطة - متمثلة في أشخاص من أعلى المناصب والأقطاب في النظام - "طرفاً ندّاً أمام المعارضة" وليست "منسقاً" لبرامج وفعاليات الحوار، وإلا لن يكون هناك حوار مثمر يستطيع أن يُنفذ طموحات هذا الشعب المُضحي والمعذب في التحوّل الديمقراطي وإنهاء حكم الفرد والديكتاتورية المتجسدة في السلطة البحرينية باستحواذها على الثروة الوطنية والقرار.
فأما غير ذلك لا يكون هذا الحوار "حواراً" مثمراً وجاداً، خصوصاً إذا غاب عنه قادة المعارضة المعتقلون، وإنما هو "خُوار" وظاهرة صوتية، ولن أقول أنه "حمار" كما وصفه المتحدث باسم الجيش البحريني حتى يثبت العكس.
صحافي بحريني*
اقرأ أيضا
- 2024-11-23التعايش الكاذب وصلاة الجمعة المُغيّبة
- 2024-11-20دعوة في يوم الطفل العالمي للإفراج عن الأطفال الموقوفين لتأمين حقهم في التعليم
- 2024-11-18النادي الصهيوني مرحبا بالملك حمد عضوا
- 2024-11-17البحرين في مفترق الطرق سياسة السير خلف “الحمير” إلى المجهول
- 2024-11-13حول ندوة وتقرير سلام تعزيز الديمقراطية.. أمل قابل للتحقيق