البحرين بين النظام الملكي والنظام الجمهوري
يوسف مكي - 2013-04-27 - 7:25 ص
يوسف مكي*
يبدو لأول وهلة أن الحديث عن النظام الجمهوري في البحرين يدخل في خانة الخطوط الحمراء، وأن البحرين كانت على الدوام تحكم ضمن نظام ملكي بهذا الشكل أو ذاك، وأن شكل هذا النظام هو المناسب لبلد مثل البحرين، حيث تحكم القبيلة كما يشاع هذه الأيام وفي بحيرة من الملوك وأنصاف الملوك. لذلك لا غرابة أن ترتعد فراص الحكم في البحرين عندما طرح بعض قادة المعارضة المغيبة في السجن في معمعان حركة 14 فبراير عن قيام نظام جمهوري ديمقراطي، ولا غرابة أن يتعاون الحكام الخليجيون على سحق الثورة، لكي لا تكون سابقة ثورية وتكر سبحة دول مجلس التعاون الخليجي. وعليه كان رد النظام همجيا وبربريا على المنتفضين.
لكن لابد من الاستدراك بأن النظام الملكي في البحرين عمره قصير جدا، وقد ارتبط من حيث التسمية بمجيء الملك الحالي الشيخ حمد بن عيسى، وتحويل البلاد من إمارة على رأسها أمير إلى مملكة على رأسها ملك. في مقابل ذلك ومن خلال التاريخ نجد أن النظام الجمهوري هو الأعرق والأقدم في حكم هذه البلاد. ويعود عهد الجمهورية في البحرين إلى حركة القرامطة عندما أعلنت عن قيام نظام جمهوري اشتراكي بمعايير ذلك الزمان في إقليم البحرين الممتد من البصرة شمالا إلى رأس الخيمة جنوبا ومن ضمنها البحرين الحالية بحدودها السياسية. فالثقافة التاريخية هي ثقافة جمهورية وريادية.
هذا في التاريخ القديم، أما في التاريخ الحديث والمعاصر فيمكن الإشارة إلى أن النظام الجمهوري مطروح في المسيرة السياسية لهذا البلد حتى من قبل بعض رجالات آل خليفة أنفسهم وذلك ضمن صراع الأفراد والأجنحة على السلطة منذ استيلائهم على البحرين.
ولأعطي أمثلة على ذلك (من خلال متابعتي للتاريخ المتناقل والشفاهي لرجالات هيئة الاتحاد الوطني 1954-1956) استمعت إلى روايات متواترة بأن الشيح دعيج بن حمد وهو أخ للشيخ سلمان، أجرى اتصالات مباشرة أحيانا، وعن طريق وسطاء أحيانا أخرى ببعض قيادات هيئة الاتحاد الوطني لإقامة نظام جمهوري، بحيث يصبح هو رئيسا للجمهورية، وينقلب على أخيه الشيخ سلمان، على أن تدعمه الهيئة في هذا الانقلاب، وبذلك يلبي مطالب الهيئة، ولكن رئاسة الجمهورية تظل في آل خليفة، وفيه شخصيا.
هذا على صعيد التاريخ غير المدون والمتواتر عن طريق الرواية فيما يتعلق بإقامة النظام الجمهوري في البحرين، والذي يشير إلى أن إقامة النظام الجمهوري ليس غريبا على ثقافة أهل البحرين، بل ليس غريبا حتى على آل خليفة أنفسهم، ودعيج بن حمد مثال ساطع على ذلك.
ولتأكيد هذه الفكرة أو الرواية الشفاهية، وجدت أن عبد الرحمن الباكر قد أشار في مذكراته إلى رواية قريبة من هذا المعنى (من البحرين إلى المنفى، سانت هيلانة) وإلى دور الشيخ دعيح بن حمد في هذا الشأن، وقد قام بالاتصال به عن طريق وسيط وهو محمد دويغر مدير إدارة أموال القاصرين حينذاك كما يشير الباكر، حيث طرح عليه أنه (الشيخ دعيج) مستعد لاستلام حكم الإمارة في حالة عزل أخيه الشيخ سلمان، وأنه مدعوم من الإنكليز. لكن حسب رواية الباكر أنه أبلغ الوسيط قائلا "قل لدعيج على لساني وباسم الهيئة التي أمثلها أن السماء أقرب إليه من أن يتولى عرش البحرين حتى ولو لم يبق إلا طفل من آل خليفة". ( عبد الرحمن الباكر، من البحرين إلى المنفى، ص 81 ).
طبعا، لم يرفض الباكر فكرة الاستبدال بالمطلق لكنه رفض الفكرة لأن من تقدم بها هو الشيخ دعيج، وحسب الباكر في مذكراته أن الشيخ سلمان "لم يلوث سمعته بشيء كما لوث دعيج سمعته "ويقصد بذلك أن الشيخ دعيج كان مسئولا عن الفتنة الطائفية التي ظهرت في محرم سنة 1952، وهي التي قامت الهيئة ردا عليها".
وبطبيعة الحال، فإن من أسباب قيام الشيخ دعيج بتدبير فتنة محرم هو خلق المتاعب السياسية لأخية الشيخ سلمان، ليمهد الطريق لمطامحه الجمهورية على الطريقة الخليفية.
نعود إلى فكرة النظام الجمهوري في البحرين إلى القول إن هذه الفكرة وبغض النظر عمن يطرحها، أو الجهة المتبنية لها، هي فكرة متداولة في تاريخ هذا البلد القديم، كما هي مطروحة في تاريخ هذا البلد الحديث. وعليه فإن ما طرحه المناضل الكبير حسن مشيمع من على منصة دوّار اللؤلؤة بأنه يؤيد قيام جمهورية ديمقراطية لم يكن من فراغ، إنما من خلال استقراء لتاريخ البحرين ماضيا وحاضرا. وتأكيدا على أن إمكانية قيام نظام جمهوري في البحرين موجودة في الثقافة السياسية في البحرين بشكل علني تارة وبشكل ضمني تارة أخرى، لكنها كخيار مطروح.
وأيضا من باب التأكيد أن الأنظمة السياسية وأشكالها ليست قدرا محتوما ونهائيا على الشعوب، فمتى ما قرر الشعب – بما فيه الشعب البحريني - نوع النظام الذي يناسبه، فمن حقه أن يختار أي نظام بما فيه النظام الجمهوري. وعندما تقدم مشيمع بهذا الخيار، فذلك لا يستدعي اعتقاله وسجنه، فهذا خيار من بين خيارات مطروحة في الثقافة السياسية في هذا البلد على الأقل منذ زمن الهيئة.
ووفقا لمنطق النظام الذي سجن مشيمع، فإن بريطانيا الحليف الإستراتيجي للنظام من المفترض أن تعتقل قرابة 15 مليون إنسان لأنهم لا يريدون النظام الملكي البريطاني، ويطالبون بقيام نظام جمهوري، لكن النظام الملكي البريطاني لم يقم بذلك، لأنه ديمقراطي واختيار الناس لنظامهم يجب أن يحترم. أما في البحرين فإن النظام يعتقل ويحكم على القائلين بالنظام الجمهوري وغير الجمهوري، لأنه بخلاف النظام الملكي البريطاني، نظام ملكي استبدادي قائم على زعامة القبيلة وحكم الفرد وأهوائه. ونظام كهذا يثبت يوما بعد يوم أنه عصي على الإصلاح، لا يترك مجالا للثوار إلا أن يطرحوا استبداله بالبدائل المناسبة، وفي مقدمتها النظام الجمهوري.
أخيرا ومهما تكن آفاق المستقبل السياسي للبحرين، فإن مفهوم النظام الجمهوري بات إحدى القضايا والإمكانات السياسية المطروحة وبقوة في بازار السياسة في البحرين، أسوة بالنظام الملكي. وما على الشعب إلا أن يختار بين هذا أو ذاك.
*باحث بحريني في علم الاجتماع.
- 2024-11-23التعايش الكاذب وصلاة الجمعة المُغيّبة
- 2024-11-20دعوة في يوم الطفل العالمي للإفراج عن الأطفال الموقوفين لتأمين حقهم في التعليم
- 2024-11-18النادي الصهيوني مرحبا بالملك حمد عضوا
- 2024-11-17البحرين في مفترق الطرق سياسة السير خلف “الحمير” إلى المجهول
- 2024-11-13حول ندوة وتقرير سلام تعزيز الديمقراطية.. أمل قابل للتحقيق