افتتاحية.. عاصمة التعذيب الممنهج: لماذا مازال التعذيب يبعث في البحرين؟

2013-05-08 - 2:14 م



معالي الوزير خالد بن علي بن عبد الله آل خليفة، وزارة العدل والشؤون الإسلامي

سيادة العقيد إبراهيم الغيث، المفتش العام، وزارة الداخلية

*قد انتهى بحثنا إلى تزايُد إحساسنا بمصداقية تلك المزاعم، وفي بعض الحالات يدعمها الدليل الموثق، على أن أجهزة الأمن استخدمت جملة من الأساليب بحق المحتجزين أثناء الفترة المذكورة، ترقى إلى مستوى التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وهذه الأساليب المُسيئة شملت استخدام أسلحة وأجهزة للصعق بالكهرباء، وتعليق المحتجزين في أوضاع مؤلمة، وضرب المحتجزين على باطن أقدامهم، وتعريضهم للضرب المبرح بشكل عام، وإجبارهم على الوقوف لفترات طويلة، والتهديد بالاغتصاب وغيرها من الإساءات البدنية الجسيمة في بعض الحالات. ونرى أنكم ستتفقون معنا في أن هذه الأساليب – لدى استخدامها فرادى أو جمعاً – تُشكل تعذيباً وعقوبة قاسية ولاإنسانية ومهينة، حسب تعريف اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.

*يجب دعوة المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة بزيارة البحرين والكتابة عن الأوضاع هناك.



مرآة البحرين (خاص): أجساد البحرينيين طوال أكثر من أربعين عاماً، قبيل الاستقلال وبعد الاستقلال وهي تحمل آثار التعذيب الممنهج، مئآت الشهادات التي يمكن أن تقدمها هذه الأجساد.إنها تشكل ما  يمكن أن نسميه ب(آلام البحريني). 

الألم المقترن بالإذلال هو القاسم المشترك بين جميع من دخول سجون البحرين السياسية طوال الخمسين سنة الماضية.يشكل هذا الألم تراثاً كبيراً وثقيلا، كبيرا لجهة اتساع مساحة الأجساد التي وقع عليها التعذيب، وثقيلاً لجهة ارتفاع كلفة الإنصاف الذي يتطلبه حل ملف التعذيب، وليس الكلفة المادية هنا فقط، ولكن كلفة إنجاز فكرة الدولة التي تقوم مهمتها أساسا على توفير الحماية لجميع مواطنيها، حماية تضمن لهم حرية القول والاعتراض من دون تهديد ولا تعذيب ينال من كرامتهم.

التعذيب وفق المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب، هو "الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية" 

الموظف الرسمي يمثل الدولة، في صناعة تراث الألم، وهو يعطي بصفته الرسمية للتعذيب سمته الممنهجة، التعذيب في البحرين، له تاريخ، والتاريخ تحول لتراث مشين وذلك لتوسع قصص التعذيب وازدياد أسماء الجلادين وتنوعهم وتراكم التقارير الحقوقية الموثقة له. التعذيب صناعة ممنهجة في البحرين، منذ هندسة المقبور (إيان هندرسون)، وقبله ومعه الجيل المؤسس للتعذيب "عفوني،كروبي (أردنيان)، محمد حجازي، فائز الوعري  (أردنيان من أصل فلسطيني) هوگن، شور( انجليزيان)،  يوسف البلوشي (بلوشي)".التعذيب مؤسسة كاملة في البحرين، لها مهندسون وخبراء وجلادون وجلاوزة وتاريخ عريق، وتستحق البحرين بهذه العراقة أن تكون عاصمة التعذيب.

التعذيب في البحرين تتوافر فيه قائمة الصفات التي حددتها المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب: الألم، التمييز، موافقة الموظف الرسمي، وله غرضه المحدد "ويرى البعض أن توفر غرض محدد من إلحاق الأذى، هو الفيصل في التمييز بين التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية، إذ لابد من توفر الغرض المحدد في التعذيب" 

كم كان عنواناً لافتاً الذي أعدته هيومن رايتس ووتش في 2010 "التعذيب يبعث من جديد" إنه عاد في 2011 يبعث بشكل لا مثيل له، لأن لدينا تراث غني في التعذيب والإذلال، سيظل التعذيب يبعث ويتجدد، مادامت السلطة (العصابة الحاكمة) تمارس الإذلال بشكل ممنهج.

التعذيب ممنهج في البحرين، ليس فقط لأن له تاريخا طويلا، أو لأنه أصبح تراثاً ثقيلاً، أو لأنه مازال مستمراً، أو لأنه تتوافر فيه قائمة الصفات التي حددتها المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب، أو لأنه يتم بموافقة الموظف الرسمي في سجون رسمية، بل لأن له غرض محدد استراتيجي، والغرض المحدد هنا ليس بسيطاً مقتصراً على الحصول على اعترافات ومعلومات.

في تجربة التعذيب في البحرين، يتوفر الغرض المحدد من التعذيب، بشكل استراتيجي، والغرض هو الذل، إذلال ممنهج من السلطة، ضد كل من تسول له نفسه تحديها. الذل يتضمن المعاني التالية: الحاجة، الضعف في القوة، الهوان، غياب السلطة.أي أن الشخص الذي يمارس عليه التعذيب، ضعيف لا قوة له ولا سلطة له، وهو بحاجة إلى رحمة المعذب.
 
السلطة تمارس التعذيب، بغرض استراتيجي هو الذل، كي تُبقي معارضيها في خوف الذل وفق المنطق الذي يشير له الإمام علي "الناس من خوف الذل في ذل". لا تريد لأي جماعة سياسية أن تشاركها في السطة.تريد السلطة (العصابة الحاكمة) من الجميع أن يكونوا متساوين في حاجتهم لها وهوانهم دونها وضعفهم أمامها.

العنف الجسدي الذي تمارسه السلطة بشكل ممنهج على أجساد معارضيها، هو أحد أشكال الذل الذي تقاومه ذوات المنتهكين. هو ما يسمى في نظرية الاعتراف الحديثة، بالتجارب الأخلاقية السلبية أو بتجارب الإذلال والمهانة والإقصاء.

لا أحد يشاركها في القوة أو سد الحاجة أو السلطة، فتفرض على الجميع الطاعة العمياء لها أو الذل، والطاعة العمياء، تصل إلى حد طاعتها في تعذيب المعارضين للطاعة. وهذا ما يعطي التعذيب بعداً ممنهجا. طاعة هؤلاء(عادل فليفل، محمود العكوري، عزيز عطية الله، خالد المالود، عيسى حسان النعيمي، عيسى المجالي، إبراهيم غيث، وابنه بدر غيث، عيسى سلطان السليطي، عدنان يوسف الظاعن، سلمان عيسى الشاوش، خليفة عيسى الشاوش، نواف الدوسري، فيصل فلامرزي، خليل البورشيد، محمد عبدالكريم، محمود محمد رشيد، يوسف علي، يوسف المناعي، محمد عيسى البوعينين، عبد السلام القريصي، صلاح بو قيس، أحمد فليفل) طاعة هؤلاء العمياء للسلطة، هي ما يصنع منهم معذبين، ليست أمراضهم النفسية، ما يجعل منهم معذبين، بل طاعة العصابة الحاكمة العمياء هي ما تصنع منهم معذبين، ولاحقا تتحول هذه الطاعة لمرض سايكولوجي.

الطاعة العمياء للسلطة، طاعة ممنهجة، تمثل أحد أشكال أنظمة الحكم المطلق، ولن يتوقف التعذيب الممنهج، إذا لم يتم كسر هذه الطاعة.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus